أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته
وفيما يلي نستعرض أهم أساليب دعوة النبي الأعظم في نشر رسالته حيث تميزت
بأهم الأساليب الرائعة التي تدل على وعيه وإرادته القوية وأخلاقه العظيمة،
والتي منها :
1) الحكمة والموعظة الحسنة :
حيث كان البارز في دعوته أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، فقد واجه النبي
كثيراً من الجدال والنقاش والتحدي ومع كل ذلك كان يواجه ذلك بحكمة وموعظة
حسنة وكان هدفه من ذلك إنقاذ ذلك المجتمع الجاهلي بشتى الطرق والأساليب
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل
2) القول الحسن :
كانت دعوة الرسول (ص) مشفوعة بالقول الحسن الذي لا يثير عاطفة ولا يخدش
كرامة أحد، وقد أدبه الله تعالى بذلك كما قال هو : ( أدبني ربي فأحسن
تأديبي ) ووضع الله له ذلك المنهج حيث قال تعالى : {وَقُل لِّعِبَادِي
يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (الإسراء:53).
وقال تعالى : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } (البقرة:83).
إن مما ساعد النبي في نشر دعوته قوله الحسن والمؤدب حيث لم يعهد عن النبي
أي قول غير حسن سواءً قبل بعثته أو بعدها ، فكان ذلك عاملاً مساعداً على
نجاح دعوته ومدعاة لتآلف قلوب الناس له وحوله .
3) اللين والتسامح :
لقد اعتمد النبي (ص) في نشر دعوته وتبليغه على اللين والتسامح والابتعاد
عن أساليب الغلظة والشدة والصرامة كما هو حال بعض من يدعي الإسلام وأحقيته
بنشره ، وقد علمه الله تعالى وأرشده إلى هذا الخلق الرفيع، قال تعالى :
{وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
لقد كان النبي (ص) المصداق الحقيقي لسمو الأخلاق ومحاسن الآداب، ولقد كان
رسول الأخلاق يدعو إلى اللين والتسامح في المعاملة، وإليك بعض ما قاله :
1- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وآله : (الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ
كَالْجَمَلِ الْأَنُوفِ إِنِ اسْتَنَخْتَهُ أَنَاخَ).
2- روى أَبُو الْقَاسِمِ الْكُوفِيُّ فِي كِتَابِ الْأَخْلَاقِ، أَنَّ ذَا
الْقَرْنَيْنِ قَالَ لِبَعْضِ الْمَلَائِكَةِ : عَلِّمْنِي شَيْئاً
أَزْدَادُ بِهِ إِيمَاناً فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ لَا تَهْتَمَّ لِغَدٍ
وَاعْمَلْ فِي الْيَوْمِ لِغَدٍ ... إِلَى أَنْ قَالَ وَكُنْ سَهْلًا
لَيِّناً لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَلَا تَسْلُكْ سَبِيلَ الْجَبَّارِ
الْعَنِيدِ .
3- روى الطَّبْرِسِيُّ فِي الْمِشْكَاةِ، نَقْلاً مِنَ الْمَحَاسِنِ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ كُلَّ سَهْلٍ
طَلْقٍ).
4- روى الْحَسَنُ بْنُ فَضْلٍ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلاقِ، عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ: يَا ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَيْكَ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
وَكُنْ سَهْلًا لَيِّناً عَفِيفاً مُسْلِماً .. الْخَبَرَ[9].
4) الدفع بالتي هي أحسن :
لقد ركز النبي (ص) في دعوته على الإحسان للآخرين الذين كان يعاني من
أذيتهم وقسوتهم عملاً بقوله تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت:34).
ولنا في قصته مع الرجل الذي كان يرمي القاذورات على باب داره مثالاً
رائعاً في الإحسان حيث أنه في يومٍ مرضَ ذلك الرجل فلم يجد النبي تلك
القاذورات اليومية على بابه وعندما علم النبي (ص) بذلك زاره في مرضه
ونتيجة لذلك أسلم ذلك الرجل .
وقد استطاع النبي (ص) بهذا الخلق الرفيع أن ينشر كلمة التوحيد ويغير من طباع الناس ، ويقاوم الأحداث الرهيبة التي أحاطت به .
5) الصبر :
لقد قابل رسول الأخلاق (ص) كل أنواع الأذى بصبر عظيم وثبات هائل ، إيماناً
منه بدعوته ، وحرصاً على تبليغ رسالته ، فقد أمره الله تعالى به حيث قال :
- {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } (الأحقاف:35)
- {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (يونس:109)
- {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } (النحل:127)
- {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} (الإنسان:24)
- {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } (الكهف:28)
- {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} (القلم:48)
فلقد عانى النبي (ص) من قريش أشد ألوان المحن والبلاء إلا أنه لم يحفل بها
، واحتسبها عند الله تعالى ، واستمر على أداء رسالته حتى فتح الله تعالى
له الفتح المبين ونصره على أعدائه ، وقد أمره الله تعالى بالاقتداء
بأنبيائه أولي العزم الذين صبروا على المحن والشدائد الشاقة التي لاقوها
من أممهم كما في الآية الأولى .
6) تحذير الكافرين من عذاب الله :
من أساليب دعوة الرسول (ص) تحذير الكافرين خاصة والناس عامة من عذاب الله
تعالى إن لم يستجيبوا له، وكان يتلوا عليهم آيات من القرآن الكريم تنعى
كفرهم وضلالهم .
قال تعالى : {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا} (الفتح:13)
وقال تعالى :{ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (النساء:37)
وقال تعالى : {أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (النساء:151)
فالكافرون خالدون في نار جهنم لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون فأسلوب
الترهيب من عذاب جهنم كان موجوداً لمن لا يؤمن بالله ولا برسوله ، ولم يكن
ذلك بالقوة – أي بقوة السلاح – وإنما كان بالتحذير والتنبيه .
7) البشارة بالجنة والنعيم الخالد :
في مقابل تحذير الكافرين من عذاب الله الدائم الخالد كان رسول الأخلاق
يبشر المؤمنين به وبرسالته بالفوز بالجنة ، والظفر بخيراتها ونعيمها حيث
قال في عدة آيات :
- {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } (الحـج:14)
- {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (القمر:54-55)
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي وعد الله تعالى فيها المتقين من عباده
بالفوز بالجنة ، وهذا أسلوب من الأساليب التي استخدمها النبي (ص) في تبليغ
رسالته ونشر قيمه وأهدافه .
أخلاق النبي في غزواته :
في حالة الحرب يستعمل الإنسان مختلف الأساليب الأخلاقية وغيرها للتغلب على
الطرف الآخر ويطبَّق في الحروب قديماً وحديثاً: الغاية تبرر الوسيلة،
فهاهي الدول الكبرى التي ترفع شعار حقوق الإنسان والحيوان والدفاع عنها
تستعمل الأسلحة الجرثومية والقنابل العنقودية والمشعة الممنوعة دولياً ،
فالحرب لا ترتدع عن إي جريمة يمكن أن تستعملها في القضاء على خصمها .
ولكن رسول الرحمة والإنسانية لا يغير وضعه في الحرب عن حالة السلم بل في
الأولى يستعمل الأخلاق والرحمة مع عدوه أو أصحابه أكثر من حالة السلم وقد
تأصلت فيه حتى أصبحت سجية لا تتبدل وفيما يلي نضرب بعض الأمثلة :
في واقعة أحد :
واقعة أحد أحدى الغزوات الكبيرة التي خسر المسلمون فيها عسكرياً ولكن
انتصروا فيها معنوياً وأدت إلى نتائج حسنة وكبيرة منها ما كشفت للمسلمين
أهمية الإرتباط بالله سبحانه وأنه لا يجوز الاعتماد على الجانب المادي
والعسكري ومنها أخلاقية النبي في هذه الواقعة التي تمثلت في:
1- صبره صلى الله عليه وآله في هذه الواقعة حيث كسرت رباعيته وسال الدم على كريمته وهو يدعو لهم بالهداية .
2- عفوه عن المثلة بمن قتل في تلك الواقعة من أعدائه .
3- عفوه عن قاتل عمه حمزة سيد الشهداء .
4- ثم عفوه عن بعض أصحابه الذين تركوه في ساعة العسرة، وينبغي لنا هنا أن نقف وقفة لنتجلى هذه العظمة في هذا الرسول الكريم العظيم .
قال تعالى ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ
فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل
عمران:159)
سبب نزول هذه الآية :
سبب ذلك أن جماعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله الذين كانوا معه
في القتال لمَّا انكسر المسلمون في تلك الواقعة انهزم جملة منهم وذهبوا
يمنة ويسرى وبعضهم ما رجع إلا بعد ثلاثة أيام في أحداث سجلها التاريخ
وهؤلاء ندموا على تركهم رسول الله صلى الله عليه وآله مع جماعة قليلة
فنزلت هذه الآية .